كيف توازنين بين التعاطف والحزم دون أن تتنازلي عن ذاتك؟

كيف توازنين بين التعاطف والحزم دون أن تتنازلي عن ذاتك؟

اكتشفي خطوات عملية وأدوات فعالة لتعبّري عن احتياجاتك بثقة، ترفضي دون شعور بالذنب، وتبني حدودًا واضحة تحميك وتُظهر قوتك بلُطف ووضوح
في الحياة اليومية، سواء على المستوى الشخصي أو المهني، يُتوقع من المرأة أن تكون “رحيمة”، “ودودة”، و”متعاونة”، ولكن في الوقت نفسه يُطلب منها أن تكون “حازمة”، “مسيطرة على المواقف”، و”قوية”. فكيف يمكنها التوفيق بين هذه المتطلبات المتناقضة دون أن تفقد ذاتها؟
الإجابة ليست سهلة، لكنها ممكنة. فهناك أدوات عملية وخطوات واضحة يمكنكِ اعتمادها فورًا لتقوية هذا التوازن الذكي: أن تكوني متعاطفة دون أن تذوبي في الآخر، وحازمة دون أن تكوني قاسية أو متصلّبة.

أولاً: أزيلي الالتباس حول مفهومي الحزم والتعاطف

كما تقول الدكتورة برينيه براون، الباحثة في الشجاعة والضعف: “التعاطف لا يعني التخلي عن الحدود، بل يعني التعبير عن إنسانيتك من دون أن تتخلي عن نفسك.”
فالتعاطف لا يعني الضعف. إنه قدرة على فهم مشاعر الآخرين ومشاركتهم إياها، من دون أن تتحملي مسؤوليتهم بالكامل. وفي المقابل، الحزم لا يعني العدائية، بل هو طريقة واضحة للتعبير عن حاجاتك وحقوقك باحترام متبادل.

ثانيًا: افهمي ذاتك وضعي حدودك بوضوح

لن تستطيعي تحقيق التوازن بين التعاطف والحزم إن لم تكوني على دراية تامة بنفسك:
خطوات عملية:
  • صوغ “بيان شخصي: اكتبي فقرة أو فقرتين تعبّرين فيهما عن قيمك الجوهرية، وما هي الأمور التي لا يمكن التنازل عنها.
  • تمرين تحديد الحدود: دوني المواقف التي شعرتِ فيها بالاستغلال أو الانزعاج. فكّري بما كان يجب قوله ولم يُقل، وبالخط الذي كان ينبغي رسمه ولم يُرسم.
تقول نيدرا تواب، خبيرة العلاقات وحدود الذات: “كل مرة تسمحين فيها بتجاوز حدودك، فإنكِ ترسلين رسالة بأن هذا مقبول.”

ثالثًا: فرقي بين الشخص والسلوك

في حياتك المهنية أو الشخصية، لا يعني التعاطف أن تتنازلي. التعامل مع شخص يكرر الأخطاء أو لا ينصت، قد يدفعك إلى التبرير المستمر، وهذا فخ.
أدوات تطبيقية:
  • استخدمي عبارة: “أتفهم، ولكن….!
    مثال: “أتفهم أنك تمرّ بظرف صعب، ولكن لا يمكنني تنفيذ العمل بدلًا منك في كل مرة.”
  • اتبعي قاعدة الانتظار 24 ساعة للرد على المواقف الصعبة. هذا يمنحك الوقت للتمييز بين رد الفعل العاطفي والقرار المتزن.

رابعاً: تعلمي قول “لا” بلطف ومن دون تأنيب ضمير

كما تقول ميغان ليفي هال، وهي معالجة نفسية: “لا يمكنك حماية نفسك وإرضاء الجميع في الوقت ذاته.”
غالبًا ما تُربى النساء على اعتبار الإرضاء قيمة أساسية، مما يؤدي إلى إرهاق نفسي، قلة التقدير، وتراكم مشاعر الاستياء.
استراتيجيات عملية:
  • عبارة رفض لبقة وواضحة: أشكرك على ثقتك، ولكن لا أستطيع الالتزام بذلك حاليًا.”
  • ابدئي بالتدرب على الرفض في الأمور البسيطة، كرفض دعوة لا ترغبين بها، كتمرين تدريجي يعزز قدرتك على الرفض عند الضرورة.

خامسًا: مارسي التعاطف الحازم في تواصلك

من أهم المهارات أن تعبّري عن تفهّمك دون أن تتخلي عن موقفك.
خطوات تطبيقية:
  • ابدئي بتعاطف صادق: “أدرك تمامًا ما تشعر به”…..
  • ثم عبّري عن موقفك بوضوح: “لكن من الضروري أن نلتزم بما اتفقنا عليه”.
يقول خبير الذكاء العاطفي دانييل غولمان: “القادة الأكثر تأثيرًا يجمعون بين الحنان والوضوح. فلا أحد ينصت لمن يكون قاسيًا أو مترددًا دائمًا.”

سادسًا: التزمي بالوضوح والثبات في مواقفك

الحزم لا يُقاس بلحظة واحدة، بل يُبنى على الاستمرارية. إذا وضعتِ حدودًا اليوم ثم تراجعتِ عنها لاحقًا، فلن يأخذها الآخرون على محمل الجد.
أدوات عملية لدعم الاتساق:
  • قائمة بـ “الخطوط الحمراء: دوّني السلوكيات التي تعتبرينها غير مقبولة تمامًا، سواء في العمل أو في علاقاتك، وراجعيها دوريًا.
  • شخص داعم يعكس لكِ واقعك: استعيني بصديقة موثوقة أو مدرّبة تساعدك على تحليل المواقف وتعزيز ثقتك في اختياراتك.

سابعًا: عبّري عن احتياجاتك بوضوح وهدوء

لا تفترضي أن الآخرين سيفهمونك دون أن توضحي. مسؤولية التعبير عن احتياجاتك تقع عليكِ.
أمثلة تساعدك على التواصل بفعالية:
  • بدلًا من قول: “أشعر أنك لا تهتم”، قولي: “أحتاج أن نتحدث يوميًا لعشر دقائق دون انشغال أو مقاطعة.”
  • في بيئة العمل، لا تكتفي بالصمت أو الانزعاج، بل قولي: “هذا المشروع لا يندرج ضمن مسؤولياتي، هل يمكن أن نراجع توزيع المهام؟”
كما توضح مارشا لينهان، صاحبة نظرية العلاج السلوكي الجدلي: “المرأة تحتاج إلى أدوات تعبّر بها عن غضب ذكي، لا إلى كبت يؤذيها ولا إلى انفجار يندم عليه.”

ثامنًا: استندي إلى قيمك… لا إلى اندفاعك

ما يميّز ردة الفعل الواعية عن الانفعالية هو الجذر الداخلي من الثقة بالنفس. عندما تكونين متصالحة مع قيمك، يصبح ردّك اختيارًا لا انجرارًا وراء التوتر أو الإحراج.
تقنية فعالة لضبط الذات: STOP
  • S: توقفي
  • T: خذي نفسًا عميقًا
  • O: لاحظي مشاعرك
  • P: اختاري تصرّفك بناءً على قيمك
يقول المدرب التنفيذي مارشال غولدسميث: “القيادة تبدأ من الداخل — من قدرتك على التحكم في نفسك قبل الآخرين.”

 

في الختام

تحقيق التوازن بين التعاطف والحزم ليس وصفة ثابتة، بل مهارة تنمو بالممارسة. ليس المطلوب أن تكوني مثالية، بل أن تبقي وفية لذاتك، حتى في اللحظات الصعبة.
لستِ مضطرة للاختيار بين الطيبة والقوة — بإمكانك أن تكوني الاثنتين في آنٍ معًا. بل إنّ العالم اليوم بحاجة لنساء يجمعن بين القلب والعقل، وبين الرحمة والوضوح.

تذكّري دائمًا: احترامك لذاتك هو الأساس لاحترام الآخرين. ومنه يبدأ كل توازن حقيقي.

Scroll to Top