السياسات التجارية الجديدة لإدارة ترامب: بين استعادة التوازن وحتمية الخسارة الاقتصادية

السياسات التجارية الجديدة لإدارة ترامب: بين استعادة التوازن وحتمية الخسارة الاقتصادية

بقلم . أروى البعداني – خبيرة اقتصادية

أعادت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أبريل 2025، إحياء نهج الحمائية التجارية بإعلان حزمة واسعة من التعريفات الجمركية على واردات من 57 دولة، وذلك في إطار سياسة أُطلق عليها “التعريفة المتبادلة” (Reciprocal Tariff). هذه الخطوة، التي يُروّج لها باعتبارها محاولة لإعادة التوازن إلى الميزان التجاري الأمريكي، تطرح تساؤلات عميقة حول فعاليتها الاقتصادية وجدواها الاستراتيجية على المديين القريب والبعيد.

ملامح السياسة الجديدة: تصعيد جمركي ممنهج

وفق بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، بدأت الإدارة الأمريكية بفرض تعريفة أساسية بنسبة 10في المائة على الواردات من الدول المشمولة، ضمن فترة تجريبية تمتد لـ90 يومًا. وتتسع هذه السياسة لتشمل تعريفات إضافية بنسبة 10في المائة على صادرات الدول التي تسجّل فائضًا تجاريًا يتجاوز 25 مليار دولار سنويًا في تجارتها مع الولايات المتحدة.
ولم تقتصر الإجراءات على هذا الحد؛ بل تم تفعيل تعريفات تصاعدية تصل إلى 50في المائة في حالات “الحماية الخاصة” لقطاعات محددة مثل الصلب والألمنيوم، مع إمكانية فرض تعريفات إضافية على المنتجات القادمة من دول متهمة بممارسات تجارية اعتُبرت “غير عادلة”، ما رفع بعض الرسوم الإجمالية إلى أكثر من 100في المائة على بعض السلع الحيوية، وفق تقارير JPMorgan.

دوافع السياسة: أرقام لا تكفي لتبرير النهج

تبرّر الإدارة هذه الإجراءات بثلاثة محاور رئيسية: تقليص العجز التجاري الثنائي، حماية الصناعات المحلية، والتصدي للممارسات التجارية غير المتوازنة. غير أن القراءة النقدية للمعطيات تشير إلى أن هذا التصعيد يُخفي في جوهره تحولًا استراتيجيًا في النظرة إلى النظام التجاري الدولي، وليس فقط معالجة اختلالات تجارية آنية.
خارطة الدول المتأثرة: تنوع اقتصادي وجغرافي
تضم القائمة دولاً صناعية كبرى مثل الصين وكندا وكوريا الجنوبية، إلى جانب اقتصادات ناشئة ودول نامية كفيتنام والبرازيل وموريشيوس. اللافت أن بعض هذه الدول، مثل فيتنام وإيرلندا، لا تسجّل فائضًا تجاريًا كبيرًا مع الولايات المتحدة، مما يعكس أن معايير التصنيف لم تكن اقتصادية صِرفة، بل تأثرت بمقاربات سياسية واستراتيجية.
أمثلة على التأثيرات الأولية:
  • الصين: فرضت تعريفات بنسبة 50 في المائة على منتجات عالية التقنية وسيارات كهربائية، إلى جانب رسوم مماثلة على الحديد والصلب. وردّت بكين بإجراءات انتقامية رفعت التعريفات على الواردات الأمريكية إلى 125في المائة.
  • فيتنام: شهدت صادراتها تراجعًا بنسبة 13 في المائة خلال شهر واحد من تنفيذ الإجراءات، ما دفع غرفة التجارة الفيتنامية للتحذير من تهديد مباشر لنحو 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
  • إيرلندا: استهدفت الإجراءات صادرات التكنولوجيا الحيوية والبرمجيات، مما انعكس سلبًا على القطاع الحيوي في العاصمة دبلن.
  • كندا والمكسيك: تأثرتا بشكل مباشر في قطاع المعادن، مع فرض تعريفات بـ25 في المائة على واردات الصلب والألمنيوم. سجلت كندا تراجعًا في صادراتها الصناعية بـ17 في المائة.
  • البرازيل وأثيوبيا وكولومبيا: تأثرت صادرات البن بنسبة 10 في المائة، ما أدى إلى ضغط تضخمي على السوق الأمريكية.
  • دول نامية مثل ليسوتو وميانمار: فرضت عليها رسوم تصل إلى 50 في المائة على سلع النسيج والمواد الأولية، رغم عدم وجود اختلالات تجارية كبيرة معها.

التكلفة الاقتصادية: الداخل الأمريكي أول المتضررين

تشير بيانات U.S. Bureau of Economic Analysis إلى تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 0.3% في الربع الأول من 2025. كما شهدت الأسعار الاستهلاكية ارتفاعًا ملحوظًا بلغ 4.5% خلال أسبوعين من تطبيق الرسوم، نتيجة زيادة تكاليف الاستيراد. بالتوازي، سجل مؤشرا S&P 500 وNasdaq تراجعًا بـ2.8 في المائة في أبريل، وسط قلق المستثمرين من اتساع رقعة التوترات التجارية.

الارتدادات العالمية: صدمة متعدّدة الأبعاد

الانعكاسات لم تقتصر على الداخل الأمريكي. فقد أشارت UNCTAD إلى أن الاقتصادات الناشئة التي تعتمد على السوق الأمريكية تواجه مخاطر انكماش تصديري واسع. وفي الصين، يهدد القرار نحو 15.8 مليون وظيفة مرتبطة بالتصدير، مع انخفاض بنسبة 10 في المائة في طلبات التوريد. من جهته، حذّر المجلس الأوروبي للتجارة من تراجع صادرات دول الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة بنسبة 1.2في المائة.

نموذج محاكاة اقتصادي: الخسارة تتجاوز الربح

وفق تحليل صادر عن Penn Wharton Budget Model، فإن استمرار هذه السياسات قد يؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 6 في المائة على المدى الطويل، مع انخفاض متوقع في الأجور بـ5 في المائة، وتكلفة اقتصادية تُقدّر بـ22,000 دولار للأسرة الأمريكية المتوسطة طوال حياتها. أما Tax Foundation فقدّرت خسارة محتملة في الوظائف الأمريكية بـ166,000 وظيفة.
في العمق: استدامة النهج أم هروب إلى الأمام؟
يبدو أن الإدارة الأمريكية تراهن على تحفيز الصناعات الوطنية عبر رفع تكلفة البدائل المستوردة. غير أن هذا النهج، وإن نجح مؤقتًا في إنعاش بعض القطاعات المحمية مثل الصلب، فإنه يهدد بخلق بيئة تضخمية، وزيادة الضغوط على المستهلك الأمريكي، وتقليص هوامش ربح الشركات، خاصة الصغيرة منها.
من جهة أخرى، تُشير تحليلات OECD إلى تراجع متوقع في النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 0.4 في المائة خلال 2025، نتيجة لاتساع دوائر السياسات الحمائية. كما توقعت UNCTAD انخفاضًا في حجم التجارة العالمية بنسبة 1.5 في المائة إذا استمرت الإجراءات التصعيدية دون معالجة تفاوضية.

خلاصة تحليلية: ضرورة إعادة التوازن الاستراتيجي

المعادلة التي تطرحها الإدارة الأمريكية تُغفل ديناميات الأسواق العالمية المعقدة، وتبني على فرضية تبسيطية مفادها أن العجز التجاري هو دليل خسارة، وأن فرض الرسوم كفيل بتقليصه. بينما الواقع أن الاقتصاد الحديث يرتكز على سلاسل توريد عابرة للحدود، وأن فرض الحواجز الجمركية قد يؤدي إلى تشوهات هيكلية يصعب تداركها.
السياسات التجارية لا تُقاس فقط بحجم الرسوم أو ميزان المدفوعات، بل بقدرة الاقتصاد على التكيّف، الابتكار، والمحافظة على مكانته في نظام اقتصادي عالمي يزداد ترابطًا. وإذا كانت الحماية ضرورة ظرفية في بعض القطاعات، فإن تعميمها كمنهج شامل قد يفتح الباب أمام موجة من الحروب التجارية والانكماش العالمي.

ماذا عنك ِ كيف يمكن القراءة الواعية للسياق الجيو-اقتصادي؟

سياسات ترامب الجمركية ليست مجرد قرارات مؤقتة بل تعبّر عن تحوّل عميق في التوجهات الأمريكية نحو النظام التجاري الدولي، ما يتطلب من سيدات الأعمال عدم التعامل مع الحدث كأزمة عابرة، بل كعامل بنيوي يجب إدماجه في الخطط الاستراتيجية.
نصائح استراتيجية للتعامل مع الأزمة

1. إعادة تقييم الأسواق المستهدفة

  • تنويع الأسواق التصديرية: تجنبي الاعتماد المفرط على السوق الأمريكية. ابحثي عن أسواق بديلة في آسيا، أفريقيا، أو أمريكا اللاتينية، خاصة تلك التي ترتبط باتفاقيات تجارة حرة مع بلدك.
  • تفعيل اتفاقيات التجارة الإقليمية مثل RCEP، أو الاتفاقات داخل منطقة إفريقيا الحرة (AfCFTA) إن كنتِ من القارة، أو الشراكات الأوروبية المتوسطية.

2. تحصين سلاسل الإمداد

  • أعيدي تصميم سلسلة التوريد لتكون أقصر وأكثر محلية أو إقليمية (Nearshoring).
  • ابحثي عن موردين من دول لم تتأثر بالتعريفات، حتى وإن كانت الكلفة أعلى قليلاً على المدى القصير، فإن الاستقرار أهم.

3. تعزيز القدرة التفاوضية في العقود التجارية

  • أدخلي بند “التقلبات التجارية” (Trade Volatility Clause) في العقود لضمان الحماية من تغيّر الرسوم الجمركية.
  • تفاوضي على شروط تسعير مرنة يمكن تعديلها وفقًا للتغيرات في البيئة الاقتصادية.

4. الاستثمار في الذكاء السوقي

  • أنشئي وحدة صغيرة أو استعيني بمستشار لتحليل السياسات التجارية للدول الكبرى، وتقديم تقارير شهرية لمساعدتكِ في اتخاذ قرارات استباقية.
  • اعتمدي على مصادر موثوقة مثل:

5. تبنّي التحول الرقمي في نموذج الأعمال

  • إذا كنتِ تعتمدين على تصدير السلع المادية، فكّري في التحول جزئيًا إلى الخدمات الرقمية القابلة للتصدير (كالتدريب، الاستشارات، البرمجيات).
  • تعزيز الحضور على المنصات العالمية الإلكترونية قد يفتح أسواقًا جديدة تتجاوز قيود الرسوم الجمركية.

إجراءات تكتيكية فورية

  • إجراء تحليل مخاطر تجاري سريع لتحديد نقاط الضعف في سلاسل الإمداد والتسويق.
  • مراجعة المخزون وتكاليف الإنتاج للتأكد من قدرتك على امتصاص أي ارتفاع في الرسوم دون خسارة تنافسية.
  • التواصل مع غرف التجارة ومؤسسات دعم الصادرات في بلدك للحصول على دعم قانوني ومالي في التكيف مع المتغيرات.

التعاون والتكتل: قوة النساء في الشبكات

  • شكّلي أو انضمي إلى تحالف نسائي اقتصادي داخل بلدك أو إقليميًا لتبادل المعرفة، ممارسة الضغط على الحكومات، والتفاوض الجماعي عند الحاجة.
  • استثمري في بناء علامة تجارية مسؤولة اقتصاديًا تعكس وعيك بهذه التحديات، فهذا يعزز مصداقيتك في أعين المستثمرين والشركاء العالميين.

 الختام: من الأزمة إلى الفرصة

كل أزمة تجارية عالمية تعيد رسم خرائط الفرص. والسيدات اللواتي يمتلكن الجرأة على التفكير الاستراتيجي خارج المسارات التقليدية هنّ من سيقُدن شركاتهن نحو مزيد من المرونة، السيادة التجارية، والتوسع الذكي.
المصادر الرسمية المعتمدة:
  • UNCTAD – Global Trade Update (April 2025)
  • Penn Wharton Budget Model – Trade War Simulations
  • Tax Foundation – Tariffs and the U.S. Economy
  • OECD – Economic Outlook (April 2025)
  • Peterson Institute for International Economics
  • U.S. Bureau of Economic Analysis
  • JPMorgan – Global Markets Impact Report
  • Business Insider – Mobius on Emerging Markets
Scroll to Top